مصطفى الجارحي يكتب: حسام عاشور.. القيمة التي تهدرها العواطف
يتجاهل البعض منا عنصر الزمن.. الزمن الذي لا يستأذن أحدًا، وسرعان ما يضع بصمته البيضاء على الشعر، ويترك تجاعيده على الوجه، ويأكل من السرعة فيجعلها بطيئة، ويعطل عضلات الجسم بل ويصيبها بالضمور.
ويظن البعض منا أن اللاعب، أي لاعب، يستطيع أن يؤدي الموسم الحالي، مثلاً، بنفس الكفاءة التي كان عليها في المواسم السابقة، وهذا في يقيني من الخيال.
ويعرف البعض منا أن هناك لاعبين في أنديتنا من أصحاب الموهبة الكبيرة، لكنهم لا يلعبون التسعين دقيقة كاملة، بسبب لياقتهم البدنية المحدودة مقارنة بالآخرين، ولذا تحتفظ بهم بعض الأندية على دكة البدلاء، ليلعبوا في الغالب أقل من شوط. ومن يتابع تاريخ الكرة في مصر يجد كثيرًا من هؤلاء اللاعبين في مختلف الأندية.
كلنا يعلم أن كرة القدم منذ سنوات أصبحت لا تعتمد على الموهبة والحرفنة فقط، بل وأحيانًا يفضل المدربون اختيار أصحاب البنية الجسمانية القوية، التي لا تتأثر كثيرًا بالاحتكاكات واللعب الخشن، وتؤدي المباراة كاملة بنفس المجهود.
عرفت مصر لاعبين وُصفوا بأنهم من أصحاب الرئات الثلاث، خاصة أولئك الذين يؤدون دور الدفندر، أو لاعب الوسط المدافع، الذي تتلخص مهمته في إفساد هجمات المنافس، وسرعة قطع الكرة، ومن ثم بناء هجمة مضادة بأسرع نقلة.
وحسام عاشور كان حتى وقت قريب من هؤلاء. لاعب قوي في الكرات المشتركة، يقرأ الملعب، صاحب توقع فذ، لكن اليوم بالتأكيد ليس هو الأمس، والجالسون في بيوتهم لا يعرفون بدقة ما يجري في التدريب، لا يعرفون أن مقارنةً بسيطة بين حسام عاشور (34 سنة) وعمرو السولية (30 سنة)، مثلاً، كان من الممكن أن يكسبها عاشور منذ ثلاث سنوات فقط.
لكنه الآن يخسرها لصالح السولية، كما يخسرها بالتأكيد لصالح أليو ديانج (22 سنة)، وكذا محمد مجدي أفشة (24 سنة)، وربما لصالح محمود متولي (27 سنة) الذي يجيد اللعب في مركزي الدفاع ووسط الملعب. كما أن هناك لاعبين في المركز نفسه سيعودون بعد التعافي من الإصابات يومًا ما: حمدي فتحي (26 سنة) ومحمد محمود (21 سنة) وكريم نيدفيد (22 سنة).
هنا تصبح للزمن الكلمة العليا.. فالسن الصغيرة لا ينقصها سوى التدريب والمباريات لاكتساب الخبرات، أما الخبرات مع السن الكبيرة فيمكن أحيانًا الاستناد إليها، وما دام الأمر في (يمكن) فمن الوارد الاستغناء عنها.
لا أحد ينكر إخلاص وتفاني حسام عاشور على مدى مشواره الطويل مع الأهلي.. لا أحد ينكر مسيرته التي توجها بالعرق، ويكفيه ما حقق من بطولات مع القلعة الحمراء. لكن لا دخل للعواطف في كرة القدم، وفي أي مجال.
العواطف تعني الإبقاء على عاشور دون أن يلعب، لأن أي مدرب سيختار السولية وديانج وأفشة.. ومعنى ذلك أن هناك أموالاً تُهدر في غير مصارفها، كما يعني حرمان قائمة الفريق من ضم عنصر جديد ومفيد.
صحيح أن حسام عاشور يرى أنه قادر على العطاء لموسمين مقبلين، على الأقل، لكن ذلك لن يكون في الأهلي المدجج بهؤلاء اللاعبين.
وحسنًا فعلت لجنة التخطيط في الأهلي بقيادة محسن صالح وعضوية زكريا ناصف وخالد بيبو، وبالتأكيد بمباركة من محمود الخطيب، حين عرضت تكريمًا مناسبًا يليق بما قدمه حسام عاشور شرط أن يعتزل.
كما وعدت بأن يتحمل الأهلي تكاليف سفره لمعايشة أحد الأندية الأوروبية الكبرى، ليضمن مستقبلاً في عالم التدريب أو الإدارة، فضلاً عن العمل في قناة الأهلي بمجرد اعتزاله، وهذه الأشياء لا يستطيع أي نادٍ في مصر تقديمها له لمجرد أن يلعب له موسمًا أو موسمين.
ومن يتبجح بالقول بأن الأهلي يبيع أبناءه عليه أن يفكر في هذه الأمور، ولا تشطح به عاطفته بعيدًا عن المنطق.
اقرأ أيضا: