مصطفى الجارحي يكتب: عبد الله الزمالك يحتفل بصالح الأهلي.. سيبوا الناس في حالها
يقول الخبر: احتفل عبد الله جمعة (لاعب الزمالك)، وشقيقه الأصغر عبد الرحمن، بعيد ميلاد شقيقه الأكبر صالح جمعة (لاعب الأهلي) ونشر صورة تجمع الثلاثة مع والدتهم على إنستجرام، وعلّق قائلاً: “كل سنة وانت طيب يا أغلى الناس”.
هكذا ببساطة تحدث الأمور.. لكن بعض النفوس المريضة المشوهة تسعى دائمًا لدب إسفين الفرقة بين الأشقاء.. بين الأصدقاء.. بين زملاء الملاعب.. فيما هؤلاء (الأشقاء الأصدقاء الزملاء) يتنافسون بشرف كلٌ رفقة ناديه، وانتماءً للقميص الذي يرتديه.
أين تكمن المشكلة إذن (؟).. السؤال على طريقة البلاغيين ليس استنكاريًا لكن غرضه التعجب (!).. الخمسينيون الذين هم على شاكلتنا عاشوا أجواء المنافسات بين الغريمين التقليديين الأهلي والزمالك، قبل وأثناء وبعد الديربي.
كانت علاقات لاعبي الفريقين الجيدة على البساط الأخضر تنعكس تلغرافيًا بين المشجعين المتنافسين في المدرجات، أو أمام شاشات التلفزيون.. فلا مجال للشتم، أو الاشتباك، أو تبادل الإهانات.. وتنتهي المباراة فيتبادل اللاعبون عبارات التهنئة (Good Luck) أو المواساة (Hard Luck).. فيما يتم توزيع أكواب الشربات في الحارات ويشرب منه المشجع المهزوم قبل الفائز.. الحياة بسيطة جدًا.. عشناها نحن الخمسينيين وكلنا شهود عيان عليها.
زاد الأمر تعصبًا ووصل إلى الذروة بأن يأتي المشجعون بحمار ويلبسونه قميص الفريق الخاسر ويزفونه إمعانًا في إغاظة المتنافسين، الذين هم أصدقاؤهم.. فلا تجد غير ابتسامات تشرق بها الوجوه.. وجوه الخاسرين قبل الفائزين.. حتى هنا كان الأمر (دمه خفيف) برغم أنه مستهجن.
وانفلت الزمام.. وفقد الجميع السيطرة على الحكاية.. وأصبحت الشتائم البذيئة تتسرب إلينا من المدرج إلى بيوتنا.. وبلغت الذروة أعلى مستوياتها يوم 31 ديسمبر 2011، حين حل الأهلي ضيفًا على غزل المحلة.
تقدم غزل المحلة بهدفي صامويل أوسو (في الدقيقتين 28 و24)، وتعادل الأهلي بهدفي محمد بركات (38 ق) وعمرو رمضان في مرماه (53 ق).. واكتسحت جماهير المحلة أرض الملعب في الدقيقة 55، واضطر الحكم ياسر عبدالرؤوف لإلغاء المباراة، واعتماد فوز الأهلي اعتباريا بهدفين دون رد.
ويبدو أن ما حدث على أرض المحلة كان إرهاصة، أو بروفة، لمجزرة بورسعيد.. حين تكررت الأحداث نفسها في مباراة الأهلي مع المصري (72 ضحية) ليدخل مصطلح الشهداء عالم الساحرة المستديرة.
كلنا يعلم أن ملاعبنا شهدت أشقاء كثيرين لعبوا في وقت واحد إما لنادٍ بعينه، أو لأندية متنافسة.. أشهرهم التوأم حسام وإبراهيم حسن في الأهلي معًا، وفي الزمالك معًا.. وقبلهما الثنائي صالح وشقيقه طارق سليم في الأهلي.. وحسن وطه بصري في الزمالك.. وإبراهيم يوسف وشقيقه إسماعيل في الزمالك وشقيهما الثالث السيد في الترسانة.. وإكرامي الأب والشقيقان أحمد وشريف إكرامي في حراسة مرمى الأهلي.. وعبد الستار صبري في المقاولون وشقيقه عامر في طلائع الجيش ثم الاتحاد السكندري.. وعبد الله فاروق في الأهلي وشقيقه عبد الرحمن في الاتحاد.. وعبد العزيز توفيق في طلائع الجيش وإنبي والمصري، وشقيقه أحمد في الزمالك وأكرم في الأهلي.. وأحمد شديد قناوي في الأهلي ثم المصري وطلائع الجيش وشقيقه محمد في الإنتاج الحربي.. ولا تسعفني الذاكرة بأسماء أخرى لأشقاء لعبوا لنادٍ واحد أو لأندية متنافسة.. على أن عائلة صالح جمعة تظل النموذج الحالي الأبرز كون الشقيقين يلعبنان لفريقين غريمين.
ربما أول معاناة تعيشها عائلة صالح جمعة هي أن لقاء الأهلي والزمالك بالنسبة لها يمثل أزمة كبيرة.. يكفي أنها لا تستطيع أن تفرح أو تحزن لفوز أو خسارة أحد الفريقين.. وربما تبيت وهي تدعو الله ليل نهار أن تنتهي المباراة بالتعادل.
على أن حكاية الثنائي صالح وعبد الله يمكن أن تكون طرف الخيط الذي يقودنا إلى التهدئة.. ندرك من خلاله أن الحكاية بسيطة جدًا.. مجرد لعبة للمتعة والتسلية ولا عيب أن تدخل تحت يافطة البزنس وصناعة الاقتصاد.
صالح وعبد الله هما النموذج الطيب والجميل.. متنافسان بشرف على أرضية الميدان.. وبعد المباراة يجمعهما سقف بيت واحد.. وليس مطلوبًا أبدًا أن يسعى الزمالك لضم صالح.. أو يسعى الأهلي لضم عبد الله.. ولا أن ينساق الشقيقان لرغبة أيٍ من الناديين مهما كانت الإغراءات.
من هنا أستطيع بضمير مرتاح أن أبرئ جماهير الكرة من هراء اسمه التعصب.. وأعرف يقينًا أن التعصب هو صناعة مجالس إدارات الأندية وأبواقها الإعلامية المضللة التي لا هم لها سوى سكب الزيت على النار لا لشيء إلا لمصالح ضيقة.