جعله فريقًا من ذهب.. فليك يعيد كتابة تاريخ بايرن ميونيخ في 2020
“فليك يمكنه تشكيل حقبة مع الجيل الحالي لبايرن، مثلما حدث عندما فاز الفريق بلقب كأس أوروبا للأندية الأبطال (دوري الأبطال حاليا) في ثلاثة مواسم متتالية من 1974 إلى 1976”.. هكذا لخص المدرب السابق أوتمار هيتزفيلد الطفرة الهائلة التي أحدثها المدرب هانزي فليك في فريق بايرن ميونيخ الألماني، في غضون شهور قليلة تولى فيها مسئولية الفريق.
وقبل 14 شهرا فقط، كانت معظم التكهنات تشير إلى أن بايرن ينتظر عاما صعبا في 2020، وأن هذا العام قد يشهد كسر هيمنته على الكرة الألمانية واحتكاره للقب الدوري الألماني (بوندسليجا) بعد سبعة مواسم متتالية توج فيها باللقب.
ولكن هذه التوقعات ذهبت أدراج الرياح في غضون شهور قليلة، وتحول 2020 إلى عام عودة العملاق البافاري للعرش الأوروبي، إلى جانب تأكيد هيمنته المحلية، كما استعاد عدد من لاعبي الفريق بريقهم، وأثبت الفريق أنه ليس بحاجة إلى تدعيم صفوفه بصفقات كبيرة، بقدر حاجته إلى استثمار إمكانيات لاعبيه بالشكل المناسب.
وفي مطلع نوفمبر 2019، لم يجد مسئولو بايرن بدًا من الإطاحة بالمدرب الكرواتي نيكو كوفاتش، مدرب الفريق، بسبب سوء النتائج واهتزاز مستوى أداء الفريق البافاري في بداية الموسم.
ولجأ مسئولو بايرن إلى تصعيد المدرب هانز ديتر (هانزي) فليك من منصب المدرب المساعد، ليتولى قيادة الفريق بشكل مؤقت، لحين ترتيب الأوراق، والتعاقد مع مدرب كبير خلال فترة العطلة الشتوية.
ولم يحظَ هذا الخيار في البداية بالترحيب الجماهيري والإعلامي، في ظل صعوبة وضع الفريق وقوة المنافسة محليا وأوروبيا، وحاجة الفريق إلى مدرب كبير يتولى المهمة سريعا قبل فوات الأوان، خاصة أن فليك لم يسبق له العمل كمدرب مع الفرق الكبيرة في البوندسليجا.
وقضى فليك معظم مسيرته التدريبية مع فريق هوفنهايم، في الدرجات الدنيا بالدوري الألماني من 2000 إلى 2005، وكمدرب مساعد مع يواخيم لوف في تدريب المنتخب الألماني (مانشافت) من 2006 إلى 2014.
ولكن فليك نجح سريعا في إعادة الثقة إلى صفوف الفريق، وأعاد النتائج الجيدة، وكذلك العروض القوية، في غضون فترة قصيرة، ما دفع مسئولي النادي إلى الإعلان في 22 ديسمبر 2019 عن استمرار فليك رسميا مع الفريق حتى نهاية الموسم.
وكانت العطلة الشتوية فرصة جيدة أمام فليك لصبغ الفريق بأسلوب لعبه بشكل أكبر، استعدادا للنصف الثاني من موسم البوندسليجا، وللأدوار الإقصائية في دوري الأبطال الأوروبي.
ولجأ فليك إلى دمج جميع طاقات الفريق وصهرها في بوتقة واحدة، لخدمة طموحات العملاق البافاري.
واعتمد فليك في هذا على الدمج بين عناصر الخبرة المتمثلة في لاعبين مثل حارس المرمى مانويل نوير، والمهاجم البولندي الخطير روبرت ليفاندوفسكي، وزميله توماس مولر، مع العناصر الشابة المميزة بالفريق، ومنها نجوم الجيل الشاب من اللاعبين من مواليد 1995، وفي مقدمتهم جوشوا كيميتش وليون جوريتسكا وسيرج جنابري ونيكلاس شوله، إضافة للاعب الشاب المتألق ألفونسو ديفيز البالغ من العمر 19 عاما.
وبالفعل، انطلق الفريق بثبات بعد انتهاء العطلة الشتوية، حتى جاءت أزمة تفشي الإصابات بفيروس كورونا لتوقف الأنشطة الرياضية في ألمانيا، منذ منتصف مارس.
ومع استئناف النشاط في مايو الماضي، قدمت الكرة الألمانية نموذجا يحتذى لجميع الدوريات الكبرى من خلال إجراءات صحية وطبية مميزة، وبروتوكول صارم لمكافحة تفشي الإصابات بكورونا.
وبدا أن فترة التوقف لم تترك أثرا كبيرا على بايرن، حيث شق الفريق طريقه بنجاح إلى منصة التتويج بلقب البوندسليجا، كما أحرز لقب الكأس المحلية، ليضاعف من طموحات الفريق في الفوز بالثلاثية التاريخية، للمرة الثانية في تاريخه.
ورغم الانتظار لأسابيع بعد انتهاء الموسم المحلي، وحتى استئناف فعاليات دوري الأبطال، لم يتسرب الملل إلى لاعبي بايرن أو مدربهم فليك، وبدا الفريق منتعشا بشكل جيد مع استئناف رحلته الأوروبية.
وخلال مسيرته في دوري الأبطال، اكتسح بايرن المارد الأسباني برشلونة 8-2 في دور الثمانية، ثم تفوق على ليون الفرنسي بثلاثية نظيفة في المربع الذهبي.
وفي النهائي، كانت المنافسة على أشدها مع باريس سان جيرمان الفرنسي، وحسم بايرن المهمة بهدف كينجسلي كومان، في الوقت الذي أنقذ فيه الحارس مانويل نوير أكثر من فرصة محققة للبرازيلي نيمار، وزميله الشاب كيليان مبابي.
وقال كارل هاينز رومينيجه الرئيس التنفيذي لنادي بايرن: “شكرا على ما شاهدناه على مدار عشرة أيام، أعمل في هذا المجال منذ فترة طويلة، هذه هي العقبة الأكبر التي شاهدتها على الإطلاق.. عشنا أوقاتا غريبة في آخر ثلاثة أشهر، كورونا، غياب الجماهير، كان الملعب سينفجر بالجماهير اليوم”.
ومع استكماله الثلاثية للمرة الثانية في تاريخه، بعد ثلاثيته الأولى في عام 2013، أصبح بايرن ثاني نادٍ في التاريخ يفوز بهذه الثلاثية مرتين، حيث سبقه إلى هذا الإنجاز فريق برشلونة الإسباني فقط.
وأشاد فليك بلاعبيه قائلا: “عليّ أن أشيد بهم أيضا، في النهاية كل لاعب تطور بشكل ملحوظ، لهذا حصدنا ثلاثة ألقاب، الأمر دائما يتعلق بالفريق”.
وتحدث كيميتش عن السر في نجاح بايرن بموسم 2019/ 2020 وقال: “الجانب الإنساني يأتي في المقام الأول، بالنسبة له (فليك) نحن لسنا مجرد لاعبين يستخدمهم داخل النظام، لكنه ينظر إلى الجانب الإنساني.. اللاعبون وكذلك الجهاز الفني لاحظوا ذلك”.
وقال فليك: “بالعودة إلى نوفمبر 2019، كان من الممكن الشعور بأن الناس لم تعد تخشى الفريق مجددا، لا يوجد احترام” في إشارة إلى الفترة التي كان يحتل فيها بايرن المركز السابع بجدول البوندسليجا بفارق سبع نقاط عن الصدارة.
وأضاف: “التقدم الذي حدث منذ ذلك الحين كان مثيرا.. عملنا بكل قوة”.
والحقيقة أن فليك أعاد كتابة تاريخ النادي من خلال هذه الثلاثية في 2020 خاصة مع التحول الرائع في مسيرته بالبوندسليجا، إضافة لفوز الفريق في جميع المباريات الـ11 التي خاضها بدوري الأبطال الأوروبي في مسيرته نحو منصة التتويج باللقب.
وبعدما أحكم ريال مدريد الإسباني قبضته على دوري الأبطال الأوروبي لثلاثة مواسم متتالية، من 2016 إلى 2018، يبدو السؤال الذي يراود كثيرون حاليا هو: ما مدى قدرة بايرن ميونيخ الألماني على تكرار هذا في السنوات القليلة المقبلة؟
وقال الألماني يورجن كلوب، مدرب ليفربول الإنجليزي: “بايرن في الوقت الحالي من أفضل وأبرز الفرق الكبيرة”.
وأوضح كلوب، الذي قاد ليفربول للفوز بلقب دوري الأبطال في موسم 2019 / 2020، أن فريق بايرن بقيادة المدرب هانزي فليك كان “حافلا بالنجوم بشكل مثير. يوجد في كل مركز لاعبان من الطراز العالمي يتمتعان بالعمر المناسب، ليس هناك الكثير مما يمكن الشكوى منه”.
وكان كلوب ضحية لثلاثية بايرن في 2013، حين خسر مع فريقه السابق بروسيا دورتموند نهائي دوري الأبطال وقتها أمام بايرن، ولكن كلوب لم يتردد في الإشادة بفريق بايرن الحالي.
وقال أوتمار هيتزفيلد مدرب بايرن الأسبق: “فليك يمكنه تشكيل حقبة مع الجيل الحالي لبايرن مثلما حدث عندما فاز الفريق بلقب كأس أوروبا للأندية الأبطال (دوري الأبطال حاليا) في ثلاثة مواسم متتالية من 1974 إلى 1976 “.
وبعد عام واحد من رحيل النجمين الكبيرين الهولندي آريين روبن والفرنسي فرانك ريبيري عن صفوف الفريق، رأى هيتزفيلد أن بايرن يضم بين صفوفه حاليا هيكلا رائعا يمكن اللاعبين الآخرين المنضمين إليه من التطور في المستوى.
ويضم هذا المحور أو الهيكل الذي يعتمد عليه الفريق كلا من حارس المرمى المخضرم مانويل نوير، والمدافع النسماوي ديفيد ألابا، والمهاجم المتألق توماس مولر، والمهاجم الخطير القناص البولندي روبرت ليفاندوفسكي. وساهم هؤلاء اللاعبين في تكوين جيل ذهبي للفريق.
وقال هيتزفيلد: “العديد من اللاعبين الشبان مثل جوشوا كيميتش وسيرج جنابري يؤدون بشكل رائع، كما يتمتعون بالاستقرار في ظل أعمارهم الصغيرة والمتوسطة”.
ويستطيع لاعبون مثل ليون جوريتسكا ونيكلاس شوله تطوير وتحسين مستواهما نظرا لأنهما لا يزالان في سن صغيرة أو متوسطة، وهو ما ينطبق أيضا على الفرنسي كينجسلي كومان وليروى ساني.
وقال هيتزفيلد: “لهذا أرى أن بايرن سيشكل الحقبة المرتقبة على الساحة الدولية في السنوات المقبلة، كما أنه يمتلك فرصة جيدة للدفاع عن لقبه في دوري الأبطال”.
وقال حارس المرمى الألماني الدولي السابق أوليفر كان وعضو مجلس إدارة نادي بايرن حاليا: “تكوين الفريق لا يمكن أن يعتبر مكتملا أبدا.. من المهم أن يكون لديك محورا (هيكلا للفريق) مستقرا على عقود طويلة المدى. وهذا هو الحال الآن”.
ومع البداية القوية التي قدمها بايرن في الموسم الحالي، رغم عدم حصول لاعبيه على الراحة الكافية بين الموسمين الماضي والحالي، يبدو الفريق قادرا على الدفاع عن لقبه في البوندسليجا، وتمديد الرقم القياسي لعدد مرات الفوز المتتالي، حيث احتكر الفريق اللقب على مدار المواسم الثمانية الماضية، كما يبدو مرشحا بقوة للاحتفاظ بلقبه الأوروبي في ظل تراجع مستوى معظم المنافسين.